قال الشيخ علي الطنطاوي :
رأيت ابنتي البارحة قد أخذت شيئاً من الفاصولياء وشيئاً من الأرز ، وضعتهما في طبق كبير من النحاس ،
ووضعت عليهما قليلاً من الباذنجان ، ووضعت في الطبق خيارة وحبات من المشمش ....
وراحت لتذهب به ..
فقلت : لمن هذا يابنتي ؟
قالت : هذا للحارس ، فقد أمرتني جدتي أن أدفعه إليه .
قلت لها : توقفي واسمعيني فتوقفتْ
ــ هاتي صينية ، وأربعة صحون صغار ، وملعقة وسكيناً وكأس ماء ،
وضعي كل جنس من الطعام في صحن صغير ونظيف ،
فوضعت ذلك كله في الصينية مع الملعقة والسكين والكأس .
وقلت لها : الآن اذهبي به إليه .
فقلت لها حين رَجَعَتْ : هل خسرت شيئاً ؟؟!
ـــ لا وإنما تعلمت أشياء مفيدة منك أبي
فقال لها وماذا تعلمتِ ؟ فأجابت :
ــ إن هذا الترتيب أفضل من الطعام لأن الطعام صدقة بالمال،
وهذا الترتيب صدقة بالعاطفة والسلوك ..
فأردف الشيخ وقال لها :
ـــ وذلك يملأ البطن، وهذا يملأ القلب، وذلك يُذِلُّ الحارس ويشعره أنه شحاد متسول
مُنّ عليه ببقايا الطعام ، وهذا يشعره أنه صديق عزيز أو ضيف كريم .
، وتلك الأولى الصدقة بالمادة وهذه الأخرى الصدقة بالروح ،وهذه أعظم عند الله ،وأكبر عند الفقير ،
والكلمة الحلوة تباسط فيها الآخر، أبرد على كبده من العطية الجزيلة . .
ـــ وماذا فعلتِ بعد ذلك ؟ قالت : تبسمتُ له ثم قلت :
فيا أيها المحسنون ، أعطوا من نفوسكم كما تعطون من أموالكم،
لا تلقوها عليهم من فوق ، فإن صرة الذهب إن وضعت في يد الفقير أغنته ،
وإن ألقيت على رأسه من عالٍ قتلته !
( منقول بتصرف إضافة واختصارا )