نوادر لابن الجصاص نوادر لابن الجصاص: ـــــــــــــــــــــــــــــــ تقدم الوزير علي بن عيسى إلى ابن أبي عبد الله بن الجصاص في البكور، فأتاه نصف النهار. فقال: ما أخرك يا أبا عبد الله ؟ قال بمحلتي أعز الله الأمير كلاب تنبح الليل أجمع، فأسهرتني البارحة، فلما كان مع وجه السحر سكن نباحها، فنمت فغلبتني عيني إلى الآن، فقال له: وما لك يا أبا عبد الله لا تتقدم في قتلها ؟ قال: ومن يستطيعها أيها الوزير ؟ وكل واحد منها مثلي ومثل أبيك رحمه الله. وخرجت يده من الفراش في ليلة باردة، فأعادها إلى جسده بثقل النوم فأيقظته، فقبض عليها بيده الأخرى، وصاح: اللصوص اللصوص ! هذا اللص جاء ينازعني وقد قبضت عليه، أدركوني لئلا يكون في يده حديدة يضربني بها، فجاءوا بالسراج فوجدوه قد قبض بيده على يده. ودخل على ابن له وقد احتضر، فبكى عند رأسه، وقال: كفاك الله يا بني الليلة مؤنة هاروت وماروت. قالوا: وما هاروت وماروت ؟ قال: لعن الله النسيان، إنما أردت يأجوج ومأجوج. قالوا: وما يأجوج ومأجوج ؟ قال: فطالوت وجالوت. قالوا: فلعلك أردت منكراً ونكيراً. قال: والله ما أردت إلا غيرهما !! يريد ما أردت غيرهما. وغفل عنه أهله يوماً فسمعوا صياحه؛ فأتوه فوجدوه في بيت كالميت. فقالوا: ما لك ؟ قال؛ فكرت في كثرة مالي وشدة مصادرة السلطان للتجار في هذا الوقت وتعذيبه لهم بالتعليق، فعلقت نفسي ونظرت كيف صبري، فزحلت فلم أتخلص حتى كدت أموت. وهذه الحكايات عن ابن الجصاص تنسب إلى غيره، والمحدثون مختلفون في حكاياتهم ومضطربون في رواياتهم. وكان المعتضد إذا رأى ابن الجصاص يقول: هذا الأحمق المرزوق ! وكان أوسع الناس دنيا، له من المال ما لا ينتهى إلى عده، ولا يوقف على حده. وبلغ من جده أنه قال: تمنيت أن أخسر، فقيل لي: اشتر التمر من الكوفة وبعه بالبصرة، ففعلت ذلك؛ فاتفق أن نخل البصرة لم يحمل في ذلك العام؛ فربحت ربحاً واسعاً. وكان المعتضد لما زفت إليه قطر الندى بنت خمارويه بن أحمد بن طولون بعث أبوها إلى ابن الجصاص مائتي ألف دينار، وكتب إليه قد جهزناها بما قدرنا عليه، وبالعراق طرائف لم تصل إلى أيدينا، فاشتر ما تراه؛ فاحتجز المال ولم يسأل عنه. وكان ابن المعتز لما خلع المقتدر لم يقم في الخلافة إلا يومين غير تامين، ثم اضطرب حبله، فهرب إلى دار بن الجصاص فأخرج منها، أخرجه المقتدر بعد أيام إلى القضاة والعدول ميتاً.[/size] |