بين العقل والقلب
بين الفؤاد و اللُّب
بين النُّهى والأفئدة
بين الجانب الروحي والجانب الفكري
هناك وشائج قوية في مظاهر عظمة الله في خلق الإنسان بين أعضائه
ومهمة كل جزء منها في حياته ، ليحيا حياة يرضاها الله عنه ، ويهديه إلى سواء الصراط الذي فطره الله عليه
ليعبده ويطيعه وينتهي عن اتباع الهوى والشيطان فيظل على نور الوحدانية لله تعالى
الذي يتمثل في شعاع يكشف به عقله طريق الحق إلى الله تعالى
وكما أن القرآن قد مدح أصحاب العقول أولي الألباب وأولي النهى
والرشاد في آياته الكريمة ففي كل شيء خلقه الله تعالى من الكون
ما يؤكد ذلك . اقرأ على سبيل المثال لا الحصر الآيتين 3 و4 من سورة الرعد حيث يقول جلَّ وعلا :
وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ(3)
وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4)
وعن الجانب الوجداني الروحي وقلب الإنسان وعقله ينبغي أن يكون هناك اتساق وتوازن في اتخاذ القرار
فإن كانت الخواطر تنبع من الوجدان ، فعليها أن تنضبط في ظل توجيهات العقل الناضج الواعي قبل أن تخرج إلى التنفيذ حتى لا يقع صاحبها في الخطأ
ومخالفة القيم الدينية والأخلاقية ومبادئ الدين الحنيف بمعصية الله سبحانه وتعالى
روى أنس بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول :
يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ، فقلت :يا رسول الله
قد آمنا بك ، وبما جئت به ، فهل تخاف علينا ؟ قال : نعم ،
إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء .)
والفطرة التي خلق الله بها عباده تحمل بين طياتها الخير والشر
فإذا كان المولى سبحانه وتعالى قد ميز آدم أبا البشر ، وعلمه الأسماء كلها وأسجد له ملائكته
تكريما له ولذريته بما وهبه له من نوره ليكشف له طريق الخير في نفسه ليعبده ولا يشرك به شيئا ،
فإن إرادة الله جعلت إبليس لا ينفذ أمر الله بالسجود عصيانا
وتكبرا فلعنه الله وطرده من رحمته :
( وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلَا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ (35)
فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ (36)
فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)
قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38)) سورة البقرة
فأخرجهما من الجنة ، ليصبح إبليس ومن يتبعه من البشر تاركا
جانب الخير مختارا جانب الشر والعصيان لله وقودا لجهنم يوم
القيامة وبئس المصير ، ومن هنا تنوعت العقول والألباب والقلوب
والأفئدة في استقبال الإيمان وتصديق الرسل عليهم الصلاة والسلام
فيما أمر الله به أو نهى عنه ؛ وأصبحت القلوب والعقول تقوى
وتضعف عند البشر تمرض وتصح بالمعصية والطاعة ، واختلطت
الأمور على الإنسان فمنهم من يتبع هواه وقلبه ومنهم من يهتدي
بنور عقله وبصيرته فيتوب ويرجع إلى خالقه باحثا
عن طريق الخير الموصل إلى رضوانه ورحمته بهدايته وتوفيقه
فإذا وَجِلَ القلب تفكر العقل وتدبر آيات الله ليسير على هداه مع فؤاد
المؤمن ببصيرة ترفع من شأنه وتصحح طريقه بنور الله له
وإذا مات القلب ولم يخش الله وعصاه ، فقد العقل نور توجيه
صاحبه إلى الصواب المطلوب ،ونُكِتَ في القلب نكتة سوداء تحجب
عنه فطرة الخير في خلقه وتُزَيِّن له مع الشيطان السير في
طريق الضلال والحرمان وسوء العاقبة والعياذ بالله .
وإذا صح العقل ببصر وبصيرة من فطرة الخير في داخله ووجَّه
صاحبه وأرشده لضبط وجدانه ونفسه الإمارة بالسوء اعتدل قلبه
وقوي إيمانه بالله ففاز في دنياه وآخرته وأصبحت نفسه مطمئنة
تقبل على الرجوع إلى الله راضية مرضية فتدخل مع عباد الله
المخلصين المتقين في جنات النعيم .
( الله اجعلنا منهم يا رب العالمين )