إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة .. فإن فساد الرأي أن تترددا
تختلف أحوال البشر في تعاملهم مع معطيات الحياة على أربع أحوال في إشارة البيت السابق لأبي جعفر المنصور ..
فمنهم ذو الرأي ضعيف العزيمة:
وهذه الحالة تضيع كثيراً من مجهود الأشخاص في طول التفكير وقليل التدبير حتى وإن صاحب هذا الطول في التفكير سداداً في الرأي ، فالفكرة والرأي لايعدوان عقول أصحابها حتى إذا نفذت أصبحت واقعاً يعاش ويستفاد من توفيق الرأي الذي صاحبه ، وكثيراً ما يخيل إلي أن من تعقد عزيمته فيسير في طريق دون تردد هو أكثر راحة من عكسه حتى وإن لم يصاحب الأول منهما رأياً أفضل وأسدّ من صاحبه ، خصوصاً في أمور واختيارات الحياة التي لايوجد فيها صواب مطلق أو خطأ مطلق كاختيار وظيفة أو نحوها.
وهنا نصل للجانب الآخر من الناس صاحب الرأي قوي العزيمة:
وهو صاحبنا الذي قلنا أنه أكثر ارتياحاً بل وفي الغالب أنه أكثر إنتاجاً حتى وإن يوفق لأفضل الآراء ، ماذاك إلا لأن العقل إن تجرد من طول التفكر والتردد في كل صغيرة وكبيرة تفرغ ليعمل وينتج بل ربما يبدع.
وقد يحصل وتجد أشخاصاً غير سديدي الآراء إلا أنهم أصحاب عزيمة:
فتجد أمور حياتهم أشبه بمغامرات لايحسب لها كثير حساب ، وقد يأتي بعضها بعواقب وخيمة ، ورغم التخبط الكبير الذي قد يصاحب هذه الطريقة في الحياة إلا أنها تساعد في تكوين خبرات كثيرة في مجالات متعددة من الحياة ، ولن يكون مستغرباً إن غلبت هذه الصفة في عمر الشباب حيث يمتلئون بالطاقة لخوض كثير من التجارب دون طول تدبر في ما تفضي إليه فطبيعة البشر أن أصحاب الرأي الموفق والمتأنين ليسوا أغلبية.
أما النوع الرابع والأخير فهو لا صاحب رأي ولا عزيمة:
فتقود الرياح وسير الأمور أحوال أصحابها كما اتفق ، وهذه الحالة متعبة لمن يعيشها فكثر التردد وضعف العزيمة يؤدي إلى ضياع الفرص فتصير الحياة كما اتفق.
ولكل منا أن ينظر لنفسه أيها يعايش ويختار لنفسه أيها يكون ، لكن قبل ذلك أود أن أذكر سريعاً قصة هذا البيت حيث كتب عيسى بن علي للمنصور لما هم بقتل أبو مسلم الخرساني
إذا كنت ذا رأي فكن ذا تدبر .. فإن فساد الرأي أن تتعجلا
فرد عليه المنصور بذلك البيت.
وإن كانت قصة هذين البيتين تعيدنا إلى نقطة الصفر حيث أنها ليست أكثر من رأيين لشخصين اختلفت نظرتهما للأمور ، وكذلك نحن ينبغي أن نتخير لأنفسنا بين العزيمة والتدبر ، وألا نفسد آراءنا بالتعجل أو التردد ، ولنتذكر دائما أننا أمة وسطاً نسدد ونقارب ، وقد أرشد ربنا نبينا إلى فصل الخطاب في هذا فقال سبحانه (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين)
__________________